دبي، 21 يناير 2022 : تنطوي قوة الثورة الصناعية الرابعة على إمكانية صنع مستقبل أكثر كفاءة وازدهاراً، بيدَ أن منافعها قد لا توزع بإنصاف بين المجتمعات المهمّشة، والبلدان النامية، والجنسين، وذلك في خضم تحولها نحو الأتمتة وتبادل البيانات.
كانت تلك هي المخاوف التي أثيرت أثناء ثلاث جلسات منفصلة للمجلس العالمي في إكسبو 2020 دبي، والتي تم تنظيمها ضمن فعاليات أسبوع الأهداف العالمية، الذي ينظمه الحدث الدولي في إطار أسابيع الموضوعات، حيث اجتمع قادة الحكومات، والمؤسسات الاجتماعية، والأوساط الأكاديمية، والمنظمات الحكومية الدولية، لمناقشة المخاطر العديدة المترتبة على ذلك، كما صبّوا تركيزهم على التقنيات الناشئة والطاقة المتجددة، وتبادلوا المعرفة حول النهج المختلفة لتجاوز المعوقات، انطلاقاً من الشراكات التي تحركها القيم، ووصولاً إلى كسر القوالب النمطية.
وقال السفير ديفيد دونوغو، الممثل الدائم السابق لأيرلندا لدى الأمم المتحدة، والذي شارك في رئاسة مفاوضات أهداف التنمية المستدامة: “حينما كنا نتفاوض بشأن أهداف التنمية المستدامة، أجرينا محادثات مطوَّلة بشأن التكنولوجيا والتحول التكنلوجي – لكن التفريق بين التقنيات المختلفة (التعلم الآلي والروبوتات، إلخ) لم يكن على طاولة المفاوضات في تلك المرحلة…، لدينا الآن إدراك أكبر بكثير لإمكانياتها، ولكننا أيضاً أكثر وعياً بالتهديدات التي تشكلها”.
وأضاف: “ربما يتعرض التركيز البشري على أهداف التنمية المستدامة – بوصفها أجندة محورها الإنسان وشعارها عدم ترك أي أحد خلف الركب- إلى الخطر، حيث انصب تركيزنا على الفئات الأكثر تهميشاً، بينما هناك ثمّة خطر متمثل في الاستخدام العشوائي لأنواع التكنولوجيا، بشكلٍ قد يجعلنا غير قادرين على تحقيق الاستفادة الكاملة من أهداف التنمية المستدامة”.
وقال أوليفر كرافت، نائب الرئيس التنفيذي لبرنامج إكسبو 2020 في سيمنس: “في المجتمعات الصغيرة، كما هو الحال إلى حد كبير في بيئة حضرية ذكية مثل إكسبو 2020 دبي، نبتعد عن العلاقات التقليدية بين العملاء والموردين، والقائمة على المواصفات، ونتوجه في المقابل نحو إبرام شراكات تحركها القيمة. ومن خلال هذا النهج، سننشيء أنظمة بيئية كتلك التي يطبقها إكسبو في دستركت 2020، والتي يمكنها أن تشمل الشراكات مع المنافسين أيضا، فحتليا في زمننا هذا، قد نتعاون مع أحد المنافسين يوماً ما، بينما تتنافس مع شركائك في يوم آخر… ولكن هذا هو فعليا ما يقود نهج التعاون، وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال في خضم الثورة الصناعية الرابعة.”
تمثل الطاقة المستدامة عنصراً حاسماً في عملية التنمية، وترتبط بروابط متينة مع أهداف التنمية المستدامة الأخرى مثل التعليم والمساواة بين الجنسين، غير أنها لا تزال مكلفة بالنسبة للكثيرين، وثمّة اعتبارات كثيرة لضمان جعلها ميسورة التكلفة ويسهل الوصول إليها باستمرار.
وقال فهد العجلان، رئيس مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) في المملكة العربية السعودية: “ستظل الهيدروكربونات تلعب دوراً في الطريق نحو إنتاج الطاقة المستدامة، من أجل البلدان النامية التي قد لا تتحمل تكلفة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ولتجنب خوض مرحلة انتقالية متقلبة”.
وفي السياق نفسه، أوضحت إيرين كانياس دياز، الرئيس التنفيذي لمعهد الكهرباء في كوستاريكا، كيف منحت كوستاريكا، التي تعتمد تقريباً اعتماداً كلياً على مصادر الطاقة المتجددة، الأولوية لامتلاك مخزون طاقة ميسورة التكلفة ويسهل الوصول إليها.
فيما كشف علي الزروالي، مدير التعاون والتنمية الدولية في الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، عن الطريقة التي ابتكرها المغرب للتخفيف من التحديات التي تواجهها أفريقيا، ولا سيما مع وجود أكثر من 600 مليون شخص في القارة السمراء لا يستطيعون الحصول على الكهرباء وخدمات الطاقة. فقد أبرم المغرب، بالاعتماد على الهيكل الفني والقانوني والمالي للمشاريع، 20 اتفاقية ثنائية مع الدول الأفريقية التي يعود عليها مشروع “من الصحراء إلى الطاقة” بالنفع، والتي تهدف إلى تزويد 250 مليون شخص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بالكهرباء.
كما أسفر عمل المغرب مع “البنك الإسلامي للتنمية” عن عدة مشاريع ملموسة، على سبيل المثال، التعاون بين النيجر وجيبوتي لتسريع عملية تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، وتكوين التحالف المغربي الإثيوبي”للولوج إلى الطاقة المستدامة”، بهدف نقل المعرفة من دُول الجنوب الأكثر تقدما في مجال إنتاج الطاقة لتلك الأقل إنتاجا.
وفي الوقت نفسه، وصفت بولينا ليون- مديرة قسم تطوير الاستدامة في مؤسسة روساتوم الحكومية للطاقة النووية، روسيا، بأن التأثير المترتب عن محطات الطاقة النووية التابعة للشركة، مثل تلك الموجودة في بنغلاديش، سيُعزز من النمو الاقتصادي بنسبة 2 في المئة سنويا، وسيسهم في خلق نحو 20 ألف فرصة وظيفية.
بغض النظر عن النهج المتبع، فإن النساء والفتيات يلعبن دورا مهما جدا في تحقيق أهداف أجندة التنمية المستدامة 2030. وفي هذا الصدد قال السفير دونوغو: “لا يوجد هدف واحد يُمثل أكثر أهمية من الآخر، لكن الهدف 5 المتعلق بـــ [المساواة بين الجنسين] هو هدف تمكيني يفتح الطريق أمام الإمكانيات لتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة الأخرى”.
وأضاف: “بالإضافة إلى أن النهج العام لأهداف التنمية المستدامة، في ضوء مرحلة ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فإننا بحاجة ماسّة للمرأة للبناء من جديد على نحو أفضل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النساء، وخاصة في الدول التي تقع في جنوب العالم، قد عانين من التداعيات المترتبة على جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ومن هذا المنطلق فإن [هدف التنمية المستدامة 5] هو من أكثر الأهداف أهمية التي يتعين معالجتها مع دخولنا عام 2022”.
يجب أن يسير ضمان تأمين تساوي الفرص للفتيات في الحصول على التعليم وفرص العمل جنبا إلى جنب مع معالجة الصور النمطية والأعراف الثقافية. وقالت معالي ليا جمينيز، وزيرة المالية بجمهورية باراغواي: “في ضوء ثقافات العمل المعمول بها عالميا، تعلمنا محاباة الخصائص التي تشيع عادة بدرجة أكبر بين الرجال؛ كالعدوانية بدلا عن سرعة الاستجابة، والتنافس بدلا عن التعاون”.
وأوضحت قائلة:” هذا من شأنه أن يضع مسؤولية تحقيق المساواة بين الجنسين في المناصب القيادية على عاتق النساء، مما يوحي بأن المشكلة تكمن فيكِ أنتِ، لأن عليكٍ أن تكوني أكثر عدوانيّة. ثانيا، يشير هذا الأمر ضمنيا إلى أن هناك خطبٌ ما في الأنماط البديلة للمناصب القيادية. ثالثا، هذا النهج يتجاهل العديد من العقبات التي تواجهها النساء العَامِلات يوميا”.
وقالت سمر الشرفا، الرئيس التنفيذي المؤسس لمنصة هي عربية، الإمارات: “لدينا دول تقع ضمن منطقة العالم العربي، تُمثل فيها النساء المتخرجات في الميادين المتصلة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على سبيل المثال، زهاء الـ 50 في المئة، لكن ينتهي بهن المطاف بلا عمل، والثقافة هي الحلقة المفقودة في هذا الأمر، فضلا عن كونها تُشكل عقبة رئيسة تقف أمام طريق المرأة، ليس فقط على مستوى هذه المنطقة ولكن في جميع أنحاء العالم”.
وأضافت لينا العليمي، المبتكرة الاجتماعية والمؤلفة، من البحرين: “نحن بحاجة إلى إجراء تحوُّل في النظام المُتبع، بحيث لا يقتصر الأمر فقط على تطوير المهارات اللازمة للقرن الحادي والعشرين، ولكن يتعداه ليشمل أيضا القيم الخاصة بالقرن الحادي والعشرين.”
يهدف أسبوع الأهداف العالمية لإكسبو 2020، الذي يستمر من 15 إلى 22 يناير، بالتعاون مع الأمم المتحدة، إلى زيادة الوعي بأهداف التنمية المستدامة في خضمّ حالة حرجة يسودها عدم اليقين في ظل تفشي جائحة كوفيد-19.