حكيم العرب الغائب الحاضر .. مسيرة عطاء بلا حدود

لمياء زكي _ رأس الخيمة
هناك أناس يبقى أثرهم حياً، وآثارهم حاضرة، ومواقفهم لا تغيب، وصوتهم في الآذان، وحبهم في القلوب، وإن رحلوا أجساداً، وذهبوا ظاهراً، وفي الذكرى السابعة عشرة نستذكر رمز الحكمة والوفاء والعطاء والتّسامح.
هذا هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، حاضر الذكر مع كل تميز تحققه إمارات الخير، التي غرس في أرضها الطيبة، الإنسانية، والتعاطف، والرحمة، والرأفة، والحق، فامتد إرثه لأبنائه فاتصفوا بذلك، وأصبحوا محل الإشادة، والثناء، أينما تحط أقدامهم، وتلألأت بفضله سمعة الإمارات داخلياً، وخارجياً.

مواقف لا تُنسى القائد وحكيم العرب
هو القائد الحكيم والأب الرحيم الذي كان مصداقاً لقوله -صلى الله عليه وسلم- (أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ) حيث كانت راحة الناس وتفريج همومهم شغله الشاغل، فرزقه الله محبة أبناء شعبه، العرب، والشرق والغرب دون استثناء، فالشيخ الكبير في أقاصي الهند يذكر زايد، والعجوز في صحارى المغرب العربي تدعو لزايد، ومئات العائلات في كوسوفو لا تنسى فضل زايد، الذي أحب الإنسان، وخدم الإنسانية طوال حياته دون تمييز بين لون، أو عرق، أو دين، والذي أبى أن يقبل بالجهل على الأطفال، وأن يفتك الجوع بالنساء والشيوخ، وأن تشرد الحروب، والمآسي، العائلات، وتفرق الأحباب.
زايد الذي جمع الإمارات المتصالحة في دولة وارفة الظلال، وجمع الأهل والأحباب في منزل خليجي واحد، وجمع العرب جميعاً على قلب واحد، وكلمة واحدة.
زايد الذي أتى بالخير، وتركنا في شهر الخير، حتى يكون الخير هو أرثه لأبنائه، فنم قرير العين، فأمثالك خالدون لا يرحلون أبداً، لأن ذكراهم العطرة تبقى خالدة أبد الدهر، ننقلها لأبنائنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، ككنز ثمين لنستقي منه كل خيرٍ كان يحبه زايد.

عاشق مصر
عاشق مصر” و”زايد الخير” و”حكيم العرب”، مجموعة ألقاب تم إطلاقها على الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس لدولة الإمارات، والذي تحل ذكرى وفاته اليوم 19 رمضان، حيث بكاه العالم العربي أجمع لمواقفة الداعمة للقضايا العربية ولحكمته في التعامل مع المواقف المختلفة.

ولا تنسى مصر مواقف الشيخ زايد، على مدار التاريخ منذ توليه الحكم في الإمارات، لتظل مواقفه محفورة في عقل ووجدان كل مصري، ولا ننسى وصيته لأبنائه بأن يكونوا دائمًا بجوار مصر.

أقوال مأثورة للشيخ زايد عن مصر

وللشيخ زايد أقوالًا مأثورة عن مصر منها “لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغنى عن الأمة العربية”، و”نهضة مصر نهضة للعرب جميعًا”.

مواقف الشيخ زايد خلال حرب أكتوبر
وبالرجوع بالذاكرة نجد مواقف حفرها التاريخ في ذاكرته لحكيم العرب تجاه مصر، حيث الرئيس الراحل محمد أنور السادات يرى في الشيخ زايد الصديق الوفي، وأنه حلقة الوصل بين جميع القادة العرب مصر، خصوصًا بعد توتر العلاقات المصرية بقادة الدول العربية عقب توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.
وتكفل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بعد حرب أكتوبر عام 1973 بمساعدة مصر على إعادة إعمار مدن قناة السويس «السويس – الإسماعيلية – بور سعيد» التي دُمرت في العدوان الإسرائيلي عليها عام 67.
وموقفة في أثناء حرب أكتوبر ومنها اقترضه مليار دولار لشراء أسلحة من الاتحاد السوفيتي لمصر في أثناء حربها لاسترداد الأرض التي سلبها العدو الصهيوني في أكتوبر 1973، كما قال إن النفط ليس بأغلى من الدماء العربية.
واحتلت مصر على الدوام مكانة متميزة في قلب المغفور له الشيخ زايد الذي ترك فيها أثراً طيباً اتخذ أشكالاً كثيرة منها بناء عدد من المدن السكنية السياحية واستصلاح عشرات الآلاف من الأراضي الزراعية وإقامة العديد من القرى السياحية وتقديم الدعم المادي للمراكز والمستشفيات الطبية.
وأهتم الشيخ زايد بالتاريخ الثقافي في جمهورية مصر العربية، من خلال التبرع بمبلغ عشرين مليون دولار وذلك لإحياء مكتبة الإسكندرية القديمة، في العام 1990 خلال مشاركته في الاحتفال التاريخي العالمي الذي أقيم في مدينة أسوان.

المغرب
ولم تكن المغرب بعيدة عن عطاء المغفور له، حيث تنهض عشرات المشاريع الشامخة أمام الأعين والتي تحمل اسم «زايد» ومن أبرزها مؤسسة الشيخ زايد العلاجية والمركز الخاص برعاية الطفولة والعديد من الوحدات السكنية المتكاملة، كما وجه رحمه الله «صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي» في العام 1976 لتقديم قرض بقيمة 40 مليون درهم لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة المغربية.

فلسطين
وفي فلسطين يعد مشروع ضاحية الشيخ زايد في القدس الذي تكلف نحو 15 مليون درهم واحداً من أبرز المشاريع التي وجه، رحمه الله، بتنفيذها في فلسطين إلى جانب مشاريع أخرى منها إعمار مخيم جنين الذي تكلف إنشاؤه نحو 100 مليون درهم وبناء مدينة الشيخ زايد في غزة بتكلفة بلغت نحو 220 مليون درهم ومدينة الشيخ خليفة في رفح والحي الإماراتي في خان يونس إضافة إلى العديد من المستشفيات والمدارس والمراكز الصحية ومراكز المعاقين التي انتشرت في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.

السودان
وشكلت مساعدات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى السودان أبرز ملامح العطاءات الخيرية، حيث تبرع، رحمه الله، بإنشاء كلية الطب ومستشفى ناصر بمدينة ود مدني السودانية، وتم تقديم مبلغ 3 ملايين دولار أمريكي لمشاريع مياه الشرب في السودان.. كما قدم «صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي» قرضاً بقيمة 5.16 ملايين درهم لمشروع التنمية الريفية في منطقة دارفور بغرب السودان.

لبنان
واهتم الشيخ زايد بمساعدة لبنان من خلال مبادرته بنزع الألغام التي خلّفها الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وعلى نفقته الخاصة، وكذلك اهتم بأن تقوم الإمارات بدور فاعل في عملية إعادة بناء لبنان بعد الحرب فقدمت الدولة المساعدات المالية والهبات والقروض للمشاريع الحيوية والتنموية.

سوريا
ونالت سوريا في عهد الشيخ زايد قسطاً وفيراً من الدعم للمشاريع الخيرية والتنموية، حيث وقع «صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي» في دمشق ثلاث اتفاقيات مع سوريا لتمويل ثلاثة مشاريع صناعية بقيمة 911 مليون درهم.

باكستان
وعلى الصعيد الدولي وفي باكستان على سبيل المثال تقف مدن كراتشي ولاهور وبيشاور شامخة مزهوة بالمراكز الإسلامية الثلاثة التي أقامها الشيخ زايد لنشر الثقافة الإسلامية والعربية بين أبناء باكستان إضافة إلى تمهيد وتوسيع الطريق الجبلي من مدينة خاران وبناء مسجد دالي وحفر آبار المياه وبناء المساجد والمدارس والمساكن.
وتبرع، طيّب الله ثراه، في عام 1982 بمبلغ 500 ألف دولار لمشروع مبنى الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة في كراتشي، كما وجه بتقديم المساعدات الطبية والمنح الدراسية والمساعدات العاجلة لضحايا الزلازل والفيضانات.

إغاثة عالمية
وتجاوزت المشاريع الخيرية الإماراتية في عهد الشيخ زايد نطاق العالم العربي والإسلامي وامتدت لتشمل دول العالم أجمع.. ففي عام 1992 تبرعت دولة الإمارات بخمسة ملايين دولار لصندوق إغاثة الكوارث الأمريكي لمساعدة منكوبي وضحايا إعصار اندرو الذي ضرب ولاية فلوريدا الأمريكية.

البوسنة
ويسجل التاريخ مواقف مشرّفة للشيخ زايد في نصرة ودعم شعب البوسنة والهرسك خلال تعرضه لأبشع جرائم الحرب في تسعينيات القرن الماضي، حيث وجه في 26 أبريل 1993 بتقديم مبلغ 10 ملايين دولار لإغاثتهم من الأوضاع المأساوية التي يمرون بها.
وأمر، رحمه الله، بإرسال العديد من شحنات الإغاثة من المواد الغذائية والطبية إلى البوسنة، ووجه باستقبال أفواج من الجرحى لعلاجهم بمستشفيات الدولة وتكفل بإقامة العشرات من العائلات في شقق مجهزة بالكامل وتوفير فرص العمل لهم.

الصين
وفي مايو 1990 تم التوقيع على اتفاق لإقامة مطبعة إسلامية في العاصمة الصينية بكين بمنحة من الشيخ زايد لدعم أنشطة المسلمين الصينيين ونشر الدعوة الإسلامية بتكلفة 3.1 ملايين درهم، كما تبرع بنصف مليون دولار لدعم جمعية الصداقة بين الإمارات والصين.

اليونان
وفي عام 1999 وبتوجيهات من الشيخ زايد، رحمه الله، غادرت مطار أبوظبي طائرة إغاثة متوجهة إلى اليونان لمساعدة المتضررين من الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من البلاد.

خير عالمي
وبتوجيهات منه، رحمه الله، في عام 2000 بدأ «الهلال الأحمر الإماراتي» في توزيع الأضاحي بجمهورية أنجوشيا على النازحين الشيشان، كما قدمت مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية 145 طناً من المساعدات الغذائية للمتضررين من المجاعة التي اجتاحت منطقة القرن الأفريقي، كذلك قرر مجلس الوزراء تقديم مساعدة عاجلة بقيمة 100 ألف دولار لمنكوبي الزلزال الذي ضرب جواتيمالا.